وتحريج الصدر إنما يجعله الله تعالى على الذين لا يؤمنون.
وقد قصَّ الله تعالى دعاء موسى وهارون على فرعون وملئه، وفيه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٨ - ٨٩] لَمَّا عَلِمَا عناد فرعون وملئه ــ كما قال تعالى بعد ذكر ما أراهم من الآيات: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل: ١٤]ــ عَلِمَا أنهم قد استحقُّوا العذاب الأليم وأحبَّا أن ينالهم البتَّة.
فالختم والشَّدُّ على القلب عقوبةٌ يعجِّلها الله عزَّ وجلَّ لمن كفر واستكبر وعاند وتمرَّد.
فإن قيل: فالمختوم على قلبه هل يبقى مكلَّفًا؟ قلت: نعم، أمَّا بترك الأقوال والأفعال التي هي فجورٌ أو كفرٌ فظاهرٌ؛ إذ الختم على القلب لا يمنع مِن تركها، وأمَّا بأصل الإيمان فللتكليف أثران: الدعوة والمؤاخذة، فالدعوة قد يقال: لا فائدة لها؛ إذ قد عُلِمَ أنه لا يؤمن ولم يقع الختم حتى قامت الحجة على أَتَمِّ ما يكون، وقد قال الله تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا}[النجم: ٢٩] في وقت الصعق والجنون والختم على القلب. [ز ٤٦] وقال سبحانه: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[خاتمة سورة ق]، وقال تبارك وتعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: ٩].
وقد يقال: دلالة هذه الآيات غير واضحة ولا يخلو تجديد الدَّعوة عن فائدةٍ، والله أعلم.