للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين الأركان لم يثبت إجمالًا ولا تفصيلًا، والقياس فاسد الاعتبار لمخالفته النص، فإنّ تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجرَ الأسود، وتركه تقبيل غيره واضح في الدلالة على الفرق، هذا مع ما جاء من مزيّة الحجر الأسود على سائر البيت، والله أعلم.

وذكر الشافعيُّ في الحجِّ أدعيةً بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسندٍ لا يثبت، وبعضها حكاها عن بعض التابعين وبعضها لم يحكه عن أحد، ويعبر عنها بقوله: "أستحب" ونحوه، وقد يتوهّم أنّ تلك الأدعية مستحبة على التعيين، وليس هذا مراد الشافعي إن شاء الله، وإنّما مراده ــ إن شاء الله ــ أنّ الدعاء المناسب للمقام مستحب، وذلك الدعاء الذي ذكره مناسب، وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن بعض السلف يُكْسِب النفسَ طمأنينة بسلامة الدعاء ممّا يكره، ولو عَدَل الحاجُّ عنه إلى دعاء آخر مناسب كان قد أتى بالمستحب؛ ولهذا قال الشافعي في باب القول عن رؤية البيت بعد أن ساق بعض الأدعية: "فأستحبّ للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال مِنْ حَسَن أجزأه إن شاء الله تعالى". (٢/ ١٤٤) (١).

وهذا كثيرٌ في كلام الشافعي يقول: أستحبُّ كذا، ويذكر مثالًا خاصًّا يريد ــ والله أعلم ــ أنّه فَرْد من أفراد المستحب المطلق لا أنّه مستحب بعينه.

فمن ذلك أنّ مالكًا ــ رحمه الله ــ كره عند الذبح أن يُصَلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (٢)، فقال الشافعي: "والتسمية على الذبيحة "باسم


(١) (٣/ ٤٢٣).
(٢) انظر "البيان والتحصيل": (٣/ ٢٨١)، و"مواهب الجليل": (١/ ٣٨٣).