على العامل أن يعلم أنّ تلك الوسيلة [ص ٢٨] ليست قربةً بذاتها، وإنّما تكون قُربة للتوسل بها إلى قربة، وعليه إذا كان متبوعًا أن يحترز عن إيهام تابعيه أنّها قربة بذاتها.
فمن ذلك الحج والجهاد مقصدان شرعيّان أُمِرْنا بهما ويمكننا التوسل إليهما بأمور متعددة، كالسفر إلى الحج مشيًا وركوبًا على الخيل والبغال والحمير والجمال والفِيَلة، وفي السفن البحرية شراعية أو بخارية، وفي القطار والسيارات والطيارات وغير ذلك، ولم يحدد لنا الشرع شيئًا منها على سبيل التقييد. وتوسَّل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بالركوب على الناقة وكثير من أصحابه بالمشي، فكانت هاتان الوسيلتان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، وأمّا التوسل بركوب الباخرة أو القطار أو السيارة أو الطيارة، فلم يقع في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه من هديه بالقوة. وممّا يصرح بذلك قول الله عز وجل:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]. وركوب السيارة والطيارة ونحوهما سبيل من السبل، وقس على هذا حال الجهاد، فالتوسّل إليه بالسيف والرمح من هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، وبالبندق والمدفع وغيرهما من هديه بالقوة، وممّا يصرّح بذلك قول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠].
ومن ذلك: أنّ قراءة القرآن مقصد شرعي أُمِرنا به مطلقًا أي: بدون تعيين وسيلة من وسائله على وجه التحديد والتقييد، فكان ذلك أمرًا بوسائله على وجه التخيير، فيدخل في ذلك التوسل بالنظارات الزجاجية فهي من هدي