للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّما كانوا يتسامحون فيمن بلغ من الجلالة بحيث يُعلَم أنّه إنّما يُخالط الأمراء ليأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويكفَّهم عن الباطل ما استطاع؛ كالزُّهري، ورجاء بن حَيْوة.

روى الشافعيّ قال: حدّثنا عمّي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان! الذي تولّى كِبْره من هو؟ يعني في قول الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٤]. قال: عبد الله بن أُبيّ، قال: كذبت؛ هو فلانٌ! قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول. فدخل الزُّهريّ، فقال: يا ابن شهاب! من الّذي تولى كِبْره؟ قال: ابنُ أُبَيّ، قال: كذبت، هو فلان! فقال الزُّهريّ لهشام: أنا أكذب لا أبا لك؟ ! والله لو نادى منادٍ من السماء: إنّ الله أحلَّ الكذب ما كذبت! حدّثني عروة وسعيدٌ وعبيد الله وعلقمة، عن عائشة: أنّ الذي تولّى كِبْره عبد الله بن أُبيّ (١).

وذكر تمام القصة، وفيها خضوع هشام للزُّهري واسترضاؤه له (٢).

وقد وقعت للزُّهري قصة تشبه هذه مع الوليد بن عبد الملك، وفيها: أنّ الوليد قال له: يا أبا بكر، من تولّى كِبْره، أليس فلانًا؟ قال الزهري: قلت: لا! فضرب الوليد بقضيبه على السرير: فمن؟ فمن؟ حتّى ردّد ذلك مرارًا، قال الزهري: لكن عبد الله بن أُبيّ (٣).


(١) القصة في "سير النبلاء": (٥/ ٣٣٩).
(٢) انظر "فتح الباري" في باب حديث الإفك في المغازي، وانظر ترجمة ابن شهاب في "تهذيب الكمال". [المؤلف].
(٣) انظر "فتح الباري". [المؤلف]. وهو في "فوائد ابن أخي ميمي الدقاق" (ص ١١٣ - ت نبيل جرار).