للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما الحكاية التي قدَّمها ابن عبد البر وفيها: "أن يحيى بن معين يتكلَّم في الشافعي" فإن صحّت هذه الحكاية فهذه كلمة مجملة، يحتمل أن يُراد بها ما ليس بجرح، فإنّ مَن قال في رجلٍ قولًا يغضّ به منه فقد تكلّم فيه وإن لم يكن ذلك جرحًا.

وقد ذكر ابن عبد البر كما في مختصر كتاب "العلم" (ص ١٩٣) (١): أن ابن معين سُئل عن الشافعي فقال: "ما أحبّ حديثَه ولا ذِكْرَه". فهذا تكلُّم في الشافعي وليس بجرح. ولم أقف لابن معين على كلمة ظاهرة في الجرح تشهد لما رُوي عن ابن وضّاح. وقد تقدَّم عن الحاكم نفي ذلك البتة.

الأمر الثالث: أنه لم يأت عن غير ابن معين من الأئمة طعن في الشافعي، وقد قال ابن عبد البر (ص ١٩٣) (٢) عَقِب الكلمة المارّة قريبًا: "لم يتابع يحيى بن معين أحدٌ في قوله في الشافعي".

والذين أحسنوا الثناء عليه ووثّقوه كثير ممن هو أكبر من ابن معين، ومن أقرانه، وممن دونه، حتى قال أبو زُرعة الرازي: "ما عند الشافعي حديث غلط فيه". [ص ٢٢] وقال أبو داود: "ليس للشافعي حديث أخطأ فيه". وقال النسائي: "كان الشافعي عندنا أحد العلماء، ثقةً مأمونًا". أما ثناء أحمد عليه وتبجيله فمشهور.

وبالنظر إلى اشتهار الشافعي وانتشار علمه وكثرة مخالفيه وحُسَّاده= لو كان هناك ما يقتضي أن يقال فيه: "ليس بثقة" أو ما يَقْرُب من ذلك لما تفرّد بها


(١) "جامع بيان العلم": (٢/ ١٠٨٣).
(٢) المصدر السابق.