للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحسين بن عبدالرحمن الأهدل، فإن صحَّ فليس فيه إلا أنَّه لم يَعْنِ مخاطبيه، وذلك حقٌّ؛ فإنّهم رضي الله عنهم لم تغلب عليهم تلك الخصال، فأمّا المنافقون فإنها غالبةٌ عليهم، كما يدلُّ عليه قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ... } فإنّ (إذا) فيها مفيدةٌ للتكرار، وكذلك قوله: "فإنّ الصلاة والدين كلّه أمانة ... إلخ". و (إذا) في قوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} مفيدةٌ للتكرار. وأمّا قصةُ ثعلبة فإنّه لم يتكرر منه الغدر بالعهد، لكنّه لما كان لله ورسوله وأصرّ عليه غُلِّظ عليه.

وهذا الحديث ــ إن صحَّ ــ فليس بيانًا لاختصاص الحديث السابق بمنافقي زمانه ــ عليه أفضل الصلاة والسلام ــ وإنّما هو بيانٌ لمصداقه من القرآن، فإنه تعالى خصَّ بالمنافقين بتكرر أنّهم إذا جاؤوه كذبوا فصارت علامةً لهم، وخصَّهم بالوصف بتكرّر خيانة الأمانة، ومنها الصلاة فصارت علامةً لهم، وحكم على ثعلبة (١) بالنفاق لغدره بالعهد المغلّظ وإصراره عليه فصارت علامةً.

وقصّة ثعلبة تعضد ما قلناه مِن أنّ إخلافَ الوعد لا يكون آية النفاق حتى تكون غدرًا بالعهد، وإذا علمتَ أن الصلاة والدين كلّه أمانة سَهُل عليك الأمرُ، وحقًّا هي أمانة يدلُّ عليها هذا الحديث وغيره كقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢] إلى غير ذلك من الآيات مع


(١) لا تثبت قصة ثعلبة من وجه يصح، وانظر كتاب "ثعلبة من حاطب الصحابي المفترى عليه" لعداب الحمش.