للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها إلا الخيانة والكذب" (١)، وقوله: "يُطْبَع المؤمن" يدلّك على ما قلناه من شرط التكرار، ومثله قوله في حديث متفق عليه (٢):

"وما يزال الرجل يكذبُ ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذابًا" (٣).


(١) أحمد (٢٢١٧٠)، وابن أبي عاصم في "السنة" (١٠١) من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبي عاصم (١٠٢)، والبيهقي في "الشعب" (٤٤٧١) وغيرهم من حديث ابن عمر. وله شواهد أخرى، وكلها لا تخلو من ضعف. انظر "السلسلة الضعيفة" (٣٢١٥).
(٢) البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧) واللفظ له من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ..
(٣) وأمّا قولهم في إخوة يوسف إنّ أباهم ائتمنهم على يوسف فخانوه ووعدوه بحفظه وأخلفوا وحدّثوه بأنّ الذئب أكله فكذبوا.
فنقول: أمّا الخيانة فوقعت، وكذا الكذب ولكن ذلك لم يتكرر منهم فضلاً عن أن يغلب عليهم، وأمّا إخلاف الوعد فقد قررنا أنه لا يكون آيةً للنفاق إلا أن يكون غدرًا بالعهد وقد رأيت حين أخذ عليهم أبوهم الموثق كيف حافظوا عليه فارتفع الإشكال، ولله الحمدُ.
ثم إنَّ قصتهم هذه ممّا يُشكل على مذهب القائل: إنّ الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها:
فأولاً: يُنظر هل هم أنبياء أم لا؟
نقول: إنّهم أنبياء لقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: ١٣٦]، وقوله جل شأنه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [النساء: ١٦٣] إلى غير ذلك. ثم واقعتهم مع يوسف كانت قبل النبوة لقوله فيها: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩)}.
وعلى هذا فيبقى الإشكال على قول إنّ الأنبياء معصومون قبل النبوة وبعدها. وأمّا المعصية التي ارتكبوها فالظاهر أنّها كبيرة، ولا يتخرّج هذا إلا على قول من قال: إنّهم قبل النبوة غير معصومين، وهذا قول خطرٌ، فالأولى التوقّف حتى يبيّن الله تعالى الحقَّ في ذلك.
والله وليُّ التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [المؤلف].
تنبيه: من قوله: "ثم إنّ قصتهم ... " إلخ، وُجد بآخر الرسالة والظاهر أنها متعلقة بما تقدم في الحاشية من مسألة إخوة يوسف وما جرى لهم.