أمّا الآن فقد تمر على العالم شهور، بل سنون، لا يجتمع بعالم آخر قد يكون معدودًا من جيرانه! وإذا جمعتهما الجماعة أو الجمعة أو العيد فقد يرجعان عن المصلى ولم يلتقيا! وإذا التقيا تجنَّب كلٌّ منهما فتح باب المذاكرة، إمّا رغبة عن العلم، وإمّا استحقارًا لصاحبه، وإمّا أَنَفَة أن يظن الناس أنّ صاحبه أعلم منه، وإمّا خوفًا من أن تجرّ المذاكرةُ إلى المنازعة أو غير ذلك! !
وهكذا يحج كل سنة جماعةٌ من العلماء، ويرجع كل منهم ولم يجتمع بأحد من علماء الحرمين، أو العلماء الذين حجوا في ذلك العام.
وقد كان العلماء في العصور السابقة على خلاف هذه الحال، فكان من أعظم ما يهتمّ به العالم إذا حجّ: الاجتماع بالعلماء والاستفادة منهم وإفادتهم.
ولقد كان بعض العلماء يحجّ وأعظم البواعث له على الحج الاجتماع بالعلماء، مع أنّ هذه العبادات أعني الجماعة والجمعة والعيد والحج مِن أعظم الحِكَم في شَرْعِها: الاجتماع والتعارف، وتبادل الفوائد العلمية وغيرها.
وهكذا قد يتفق لأحد علماء هذا العصر سفر إلى بلد من البلدان فيَرِدُه، ويمكث فيه مدّةً لا يسأل عمن به من العلماء، ولا يجتمع بهم، وإذا اجتمع بهم تجنَّب المذاكرة العلمية، فلا يكاد يفيد ولا يستفيد، وإذا كان يصنع هذا مع جيرانه من العلماء، فكيف يُرْجَى منه خلافُه مع علماء البلدان البعيدة عنه؟ !
وكم من عالم تُشْكِل عليه مسألة، أو يخشى أن يكون مخطئًا فيها، فلا