للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم نظرت الشريعة إلى الأيام التي حدثت فيها نعم عظمى عامة فرأتْ أن المثلية تُذكِّر بالنعم، فشرعت في أمثال تلك الأيام عباداتٍ مخصوصة، فإذا حدثت النعمة في يوم عيَّنت العبادة في مثله من كل أسبوع، وإذا حدثت النعمة في شهر عيَّنت العبادة في مثله من كلِّ سنة. فمن الأول: يوم الجمعة، وقد تحدَّث عن فضله وأهميته، وردَّ على من يعدُّونه عيدًا لأن كثيرًا مما شُرِع في العيد شُرِع فيه، وناقشهم في الأمور التي ذكروها، ومنها النهي عن تخصيص يوم الجمعة بصيام وليله بقيام، وبيَّن الحكمة في ذلك، كما ذكر حكمة تشريع صيام يوم الاثنين شكرًا على النعمتين العظيمتين: ولادة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنزال القرآن عليه، كما في حديث أبي قتادة الذي رواه مسلم (١١٦٢).

ثم تطرَّق إلى الرد على القائلين بالاحتفال بالمولد النبوي بطريقة لطيفة حيث قال: "إن المسلمين ــ ويا للأسف ــ نسُوا صوم يوم الاثنين وما في صومه من شكر الله عزَّ وجلَّ، وما يتضمن ذلك من محبته - صلى الله عليه وسلم -، حتى إن أكثرهم يجهل ذلك، ولم أرَ طولَ عمري من يصومُه بتلك النية ولا من يذكره. إلّا أنني سمعتُ من يذكر الحديث احتجاجًا على مشروعية الاحتفاء بثاني عشر ربيع الأول، فالله المستعان".

ثم تكلم عن مشروعية صوم عاشوراء، وهناك أيام حدثت فيها نِعَمٌ في العهد النبوي، ولم يُشرَع تخصيص أمثالها بعبادةٍ اكتفاءً عنه بغيرها، وهكذا الأيام التي حدثت فيها النِّعم بعد العهد النبوي ليس لأحدٍ تخصيص أمثالها بعبادة مخصوصة، لأن الدين قد كمُل في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولأن كلَّ نعمةٍ عامة للمسلمين حدثتْ بعده - صلى الله عليه وسلم - فهي فرع عن النعم التي حدثت في عهده.

والمقصود من الكلام السابق كله بيان أن الأيام التي تحدُثُ فيها النِّعم العظام لا يجعلها الشرع أعيادًا، وإنما يجعلها مواسم للعبادات شكرًا على