الأول: أن الفعل لا ينسخ القول، وفي هذا بحث محلُّه كتب الأصول.
وقد جاء عن الصحابة الاحتجاج بالفعل على نسخ القول، كما في الوضوء مما غيَّرت النار، مع أنه قد يقال: ليس هذا مجرد فعل، بل فيه تقرير؛ لأن الظاهر أن المرحاض إذا كان في البيت لا يختص بالرجل، بل تشاركه فيه النساء، بل هن أولى.
الثاني: أنه لو كان هناك نسخٌ لأعلنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أعلن النهي، ومن البعيد أن ينسخ الحكم فلا يبينه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل يقتصر على الفعل في خلوته.
وقد يدفع هذا بأنه بنى المرحاض في بيته - صلى الله عليه وآله وسلم - على الهيئة المؤذنة بالنسخ، فعلم بذلك أهل البيت، وقد احتج الصحابة على نسخ عدم وجوب الغسل على من أكسل بخبر بعض أمهات المؤمنين، بأنه وقع ذلك منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنها فاغتسلا، مع ما في هذا من الاحتمال، ومن كان له معرفة بالسيرة عرف أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ربما اكتفى في تبليغ النسخ بإخبار الواحد أو الاثنين، وفي ذلك من الحكمة ما ليس هذا محلَّ بيانه.
الثالث: أن التاريخ مجهول، وعليه فإما أن يترجح احتمال أن الواقعة كانت قبل النهي على حسب الإباحة الأصلية، فلا يكون هنا نسخ، وإما أن يتوقف على الجزم، ويعمل بعموم النهي احتياطًا.
ومنها: أن هذا الحديث مخصِّص لعموم أحاديث النهي على ماهو مختارُ كثيرٍ من الأصوليين، أنه عند جهل التاريخ، إذا أمكن الحمل على العموم والخصوص حُمِل عليه.
وقد يُردُّ هذا بأن التخصيص بيان لا يجوز تأخيره عن وقت الخطاب عند قوم، وعن وقت الحاجة عند آخرين، وهذه الواقعة ليست مقترنةً