وإيضاح ذلك أن مسلمًا يوافق على عدم قبول عنعنة المدلس، وفي تمثيله بهشام نظر؛ لأنه وُصِف بالتدليس وإن لم يتفق عليه، فنحصر الكلام في عروة، فنقول: إنما قبلنا عنعنة عروة؛ لأن عروة لم يوصف بالتدليس، وقد عُرِف بالثقة والأمانة وكثرة السماع من عائشة.
ثم ههنا مسلكان:
الأول: ردّ ما قدمناه في الاعتذار عن المتثبتين من القسم الأول.
فنقول: لا يلزم من ثقة أحدهم بمن بينه وبين من سمَّى أن يكون في نفسه ثقة، فلعله قد بان لغيره منه ما لم يَبِنْ له، وعلى فرض أنه ثقة فلعله تبين لغيره منه أنه غلط في تلك الرواية.
مثال ذلك: أن يكون سمعه من عمرة أنها سمعت عن عائشة، فيرويه هو عن عائشة، وتكون عمرة قد غلطت فيه لمّا حدثته عروة، فيكون غلطها إنما يتبين برواية أخرى عنها، فلو رواه عن عمرة عن عائشة لعرفنا غلط عمرة بالمقابلة بروايتها الأخرى، ولما رواه عن عائشة لم يتبين ذلك، بل تترجح رواية عروة لظن أنه سمعه من عائشة، وإذا كان هذا الاحتمال قائمًا فروايته ذلك عن عائشة لا تخلو من الغش وقلة التثبت، وإذ كان الظن به أنه يتحفظ من مثل ذلك، فالظاهر من روايته عن عائشة أنه سمعه منها، وإذ كان الظاهر ذلك فروايته عنها تعرض للكذب، إن لم نقل: إنه كذب. وإنما تخلص المدلسون من الكذب بما قدمنا أن الظن بهم أنهم كانوا أولًا يدلسون ويبينون في المجلس، حتى عُرِف ذلك من شأنهم، فزال الظهور المذكور، وبزواله زال الغِشُّ، وعروة لم يفعل ذلك؛ وإلا لوصفه أهل العلم بأنه يدلس.