للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الأحاديثُ متأخرة عن تحريم الكلام بالإجماع، على قول من قال: إنّ النسخ بمكة، وعلى قول من قال: إن النسخ بالمدينة أوائلَ الهجرة، على أن الصحيح أنه كان بالمدينة، لحديث زيد بن أرقم عند البخاري (١) وغيره: «إنْ كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، يُكلِّم أحدنا صاحبَه بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ... } الآية [البقرة: ٢٣٨]، فأُمِرْنا بالسكوت». والآية مدنية باتفاقٍ.

ولا يعارضه حديث عبد الله عند البخاري (٢) وغيره أيضًا أنَّه قال: «كنا نُسلِّم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو في الصلاة، فيردّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال: «إنّ في الصلاة لشُغلاً». فإنّ عبد الله رجع من الحبشة إلى مكة أولاً، ثم رجع إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة في ثلاثة وثلاثين رجلاً، فمات منهم رجلان بمكة وحُبِس منهم سبعة، وتوجّه إلى المدينة أربعةٌ وعشرون رجلاً، فشهدوا بدرًا، ومنهم عبد الله كما في سيرة ابن إسحاق (٣)، وتضافرت عليه الأحاديث.

مع أن عبد الله وافق زيدًا على أنّ الناسخ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} كما في البخاري (٤)، والآية مدنيةٌ باتفاق.

وقد حقّق الحافظ في «الفتح» (٥) هذا المبحثَ بما لا مزيدَ عليه، وأكثرَ


(١) رقم (١٢٠٠).
(٢) رقم (١١٩٩).
(٣) انظر «سيرة ابن هشام» (١/ ٦٨١).
(٤) رقم (١١٩٩، ١٢٠٠).
(٥) (٣/ ٧٤، ٧٥).