للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشهورة في حديث: "إذا التقى المسلمانِ بسيفَيْهما ... " (١)، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يسمع من رجلٍ غيرِ الأحنف عن أبي بكرة. وقد يَشُدُّ الاتصالَ أن البخاري أخرج الحديث في "صحيحه"، ومذهبه اشتراط ثبوت اللقاء حتى فيمن لم يُعرف بالتدليس ولا بالرواية عمن لم يَلْقَه، فما بالك بهذا؟ وفي "مراسيل" ابن أبي حاتم (٢) عن بَهْز بن أسد في شأن الحسن: "وسمع من أبي بكرة شيئًا". وعلى كلّ حالٍ فلم تَسْلَمْ صحةُ هذا الحديث من مقالٍ.

ولننظر فيما ذكر من الدلالتين:

فأما الأولى وهي قولهم: "لولا أن أبا بكرةَ كان يرى أنه بإدراكه الركوعَ يُدرِك الركعة لما بادر إلى الركوع قبل أن يبلغ الصفَّ"= ففيها نظر، لماذا لا يُبادِر لإدراك فضلِ (٣) الركوع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن عَلِمَ أنه لا تُحْسَبُ له ركعة؟ بل قد يقال: إن هذا هو الذي ينبغي أن يُظَنَّ بالصحابي، لا أن يُظَنَّ به أنه حَرَصَ على إدراك الركعة وإن فاته الخيرُ الكثير فيها تفاديًا من أن يكون عليه ركعةٌ أخرى بعد سلام الإمام، فإن هذا يدلُّ على الكسلِ والتبرُّمِ بالتعب اليسير في العبادة والرغبةِ عن زيادة الأجر، فإنه إذا أدرك بعض الركعة ولم تُحْسَبْ له ثم صلّاها بعد سلام الإمام كُتِبَ له أجرُ الصلاة كاملةً وزيادةُ أجرِ ما أدركه من تلك الركعة، فأما من لم يُدرِك إلا بعض الركعة وحُسِبَتْ له ركعة فإنه يفوته بعضُ أجر الصلاة كما لا يخفى.


(١) أخرجه البخاري (٣١) ومسلم (٢٨٨٨).
(٢) "المراسيل" (ص).
(٣) في المطبوع: "أفضل" خطأ.