وهَبْ أن رواية الدراوردي صحت، فهي موافقة في الحكم لراوية الجماعة، وذلك أننا إذا قلنا في الموضع الأول بالاحتمال الأول، وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما سأله عن تلك الصلاة خشيةَ أن يكون مما لا يجوز في ذلك الوقت، فأخبره الرجل بأنها راتبة الفجر تداركَها، فسواءٌ أسكتَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أم قال:"فلا إذًا"؛ لأن سكوته دلَّ على أنه تبين أنها مما يجوز، إذ لو كانت مما لا يجوز لبيَّن له ذلك، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.
فإن قيل: اكتفى ببيانٍ سابقٍ بالنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس.
قلنا: اعتذار الرجل يدلُّ أنه لم يبلغه ذلك، أو لم يفهم منه النهي عن تدارك راتبة الفجر، فكيف يسكت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أن يبيِّن له في وقت حاجته اكتفاءً ببيانٍ لم يحصل له؟ مع أن السكوت مُوهِمٌ للجواز، كما لا يخفى.
وإن صح قوله:"فلا إذَنْ" فهو أوضح من السكوت؛ لأن هذه العبارة معناها في العربية:"فإذا كان كذلك فلا"، فمؤدَّاها هنا:"فإذا كانت صلاتك إنما هي راتبة الصبح تداركتَها فلا".
والمنفي بـ "لا" هو ما دل عليه قوله: "ما هذه الصلاة؟ " من أن من الصلاة ما هو ممنوع في ذلك الوقت، فكأنه قال:"فلا منْعَ".
ونظير هذا ما في "الصحيحين"(١) أنهم أخبروا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبيلَ طواف الوادع أن صفية حاضت، فقال:"أحابِستُنا هي؟ " قالوا: إنها قد أفاضت. قال:
(١) البخاري (١٧٥٧) ومسلم (١٢١١/ ٣٨٤) من حديث عائشة.