قال الحافظ في «الفتح»(١): وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيَّد ذلك بالاختلاف في الصلاة: هل هي العشاء أو المغرب؟ وبالاختلاف في السورة: أهي البقرة، أو {اقْتَرَبَتِ}؟ وبالاختلاف في عذر الرجل: هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تَعْبان، أو لكونه أراد أن يَسْقِيَ نخلَه إذ ذاك، أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة ... ويحتمل أن يكون النهي أولًا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنَّتْ نفوسُهم بالإسلام ظنَّ أن المانع زال، فقرأ بـ {اقْتَرَبَتِ} ... فصادف صاحب الشغل.
أقول مستعينًا بالله عز وجل: حديث أنس سندُه بغاية القوة، وهو ظاهر في أن الصلاة التي أطالها معاذ هي الصبح، فمن المحتمل أن يكون معاذ صلَّى الصبح فأطال ففارقه حرام، وصلَّى العشاء فأطال ففارقه سُلَيم، اتفق الأمرانِ في يومٍ، أو أيامٍ متقاربة، فكان معاذ يَعْتِبُ على كلٍّ منهما، فبلغَ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمرانِ، فعاتب معاذًا، ولذلك كرَّر عليه:«أفتّان أفتّان أفتّان».
وانفرد أنس بذكر قصة حرام؛ لأنه خاله، وانفرد جابر بذكر قصة سليم؛ لأنه من رهطه، وقضى الله عز وجل أن استشهد الرجلان: سُلَيم وحرام، الأول بأُحُد والثاني ببئر معونة.
وأما حديث حسين ــ وهو ابن واقد ــ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: فأحسِبُه انتقل ذهن الراوي من قصة إلى قصة، فجاء المتن ملفَّقًا، وقد استنكر أحمد أحاديث حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة جدًّا.