للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجيب عن هذا بأنه مرسل لم يأتِ هو ولا معناه في شيء من الروايات الموصولة، حتى الرواية التي يُشبه سياقُه سياقَها. أعني رواية عبيد الله بن مِقْسم التي تقدمت عن أبي داود والبيهقي.

ومع ذلك، ففي معنى هذه العبارة نظر. حكى ابن حجر في «الفتح» (١) عن الطحاوي أن معناها: «إما أن تصلِّي معي ولا تصلِّ بقومك، وإما أن تُخفِّف بقومك ولاتُصلِّ معي».

قال ابن حجر: «لمخالفِه أن يقول: إن التقدير: «إما أن تصلِّي معي فقط إذا لم تخفِّف، وإما أن تخفِّف بقومك فتصلِّي معي»، وهو أولى من تقديره؛ لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف، لأنه المسؤول عنه المتنازع فيه».

وذكر بعض أئمة الحنفية بالهند أن هذا من باب ما حكاه الله عز وجل عن المشركين من قولهم: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: ٨]. فأصلُ مقصودهم: افترى أم لم يفترِ، ولكن أُقِيمَ {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} مقام «أم لم يفترِ»؛ لاستلزام الجنون عدمَ الافتراء. فكذلك هنا المقصود: إما أن تصلّي معي، وإما أن لا تصلِّي معي، ولكن أقيم التخفيف بقومه مقام عدم الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأن التخفيف بقومه إنما يكون مع صلاته بهم، وصلاته بهم تستلزم عدم صلاته مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ للمنع من أن يؤمَّ الناس في أدائهم فريضتَهم مَن قد أدَّاها.

أقول: وفَهْم هذا المعنى يتوقف على سبق العلم بالمنع المدَّعَى، على


(١) (٢/ ١٩٧).