للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تكرهوا الوتر بواحدةٍ، وكيف تكرهون الوتر بواحدةٍ] (١) وأنتم تأمرون بالسلام فيها، فإذا أمرتم به فهي واحدة. وإن قلتم: كرهناه لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يُوتِر بواحدةٍ ليس قبلها [شيء]، فلم يُوتِر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بثلاثٍ ليس قبلهن شيء، وقد استحسنتم أن تُوتِروا بثلاثٍ".

فأول كلامه رضي الله عنه ــ ولاسيَّما قوله: "لئلا يكون الوتر واحدة" ــ يُفِيد أن الوتر هو ما صُلِّي بتسليمةٍ واحدةٍ: ركعة أو ثلاثًا أو أكثر، ولا يَشْرَكُه في اسم الوتر ما سبقَه من شَفْعٍ مفصولًا عنه. وآخر كلامه يُشبه خلافَ ذلك. وكلام المزني في "المختصر" (٢) يؤيِّد الأول.

وقد يقال: إن قول الشافعي: "وقد استحسنتم أن تُوتِروا بثلاث" تسليمٌ جدلي، كأنه قال: لا يخلو قولكم: "يُوتِر بثلاثٍ مفصولة" أن يكون وجهه كراهية الوتر واحدةً، أو كراهية مخالفة السنة في الوتر بواحدةٍ لم يسبقها شَفْعٌ، فإن كان الأول فإن اشتراطكم الفصلَ هو عينُ ما فررتم منه، إذ الركعة صُلِّيتْ مفردةً، فهي الوتر، ولا تَشْرَكها الركعتان في اسم الوتر لوجود الفصل، وإن كان الثاني فمن تأمل كلام الإمام رضي الله عنه حقَّ تأمُّلِه تبيَّن أن الوتر عنده هو ما صُلِّي بتسليمةٍ واحدة وترًا: ركعةً أو ثلاثًا أو أكثر. ولا يقدح في هذا قوله في آخر كلامه: "وقد استحسنتم أن تُوتروا بثلاثٍ"، لأنه على سبيل التسليم الجدلي، لما ستراه.

وتفسير كلام الإمام بعبارةٍ أخرى: قولكم: "لا نحب أن يوتر [إلا]


(١) ساقط من الأصل، استدركناه من "الأم".
(٢) (ص ١١٤) (ضمن المجلد الثامن من كتاب "الأم" طبعة دار الفكر بيروت).