إنّما أعرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مرّة بعد مرّة لأنّ في الآية نفسها البيان [ ... ]. [ص ٤] فإن كان السائل لم يفهم هذا فهو مقصِّر، يستحقُّ الإعراض عنه، ليردَّه الإعراضُ إلى التدبُّر. وإن فهم هذا وأراد تعيينَهم بقبائلهم أو بأسمائهم، فلا فائدةَ في بيان ذلك.
ثم نبَّه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أنّه كان الأَولى بالسائل أن يسأل عن أمر آخر، وهو: هل التعليم والتزكية يختصُّ بالأمّيين أو لا يختصُّ؟ فأجاب عن هذا بقوله:"لو كان الإيمان ... إلخ" أي: أنّه لا يختصُّ. وهذا هو الذي يُسمِّيه أهل المعاني: الأسلوب الحكيم، وذكروا له أمثلةً من القرآن وغيره. ولو كان المراد أنّ الآخرين هم فارس لكان السؤال في محلّه، فلا يكون وجهٌ للإعراض، كما لم يقع الإعراض في القصة الأخرى، ولكان الجواب مصرِّحًا بذلك؛ كأن يقول: هم الفرس، كما قال في القصة الأخرى، والله أعلم.
وهذا بحمد الله ظاهر جدًّا، وإن لم أرَ من نبَّه عليه.
وإذ لم نظفر بما نعلم منه تاريخ النزول فلننظر من جهة أخرى. فأقول: الاحتمال الثالث بعيد، لأنّ الآية عليه تكون مجملةً، وهو خلاف الظاهر الغالب. ويبقى النظر في الاحتمالين الأولين:
فإن كان نزول الآية متأخرًا، أي: بعد إسلام أبي هريرة أو قبله قريبًا منه تعيّن الاحتمال الأول؛ لأنّ الأحاديث كلها يُطلَق فيها "يوم الجمعة" على أنه عَلَم. ولو لم يكن جُعِل علمًا إلا أخيرًا لجاء في بعض الأحاديث ذكره باسمٍ آخر، أعني ببعضها ما كان قبل نزول الآية؛ إذ يبعد جدًّا أن تكون الأحاديث المروية في الجمعة إنّما سُمِعتْ وحُفِظَتْ بعد إسلام أبي هريرة أو قريبًا منه.