الزهري بزيادة:"وأنَّ السنة للمعتكف ... " فذكر أشياء، منها:"ويُؤمَر من اعتكف أن يصوم". ثم قال الدارقطني: إن قوله: "وأن السنة ... إلخ" ليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث وهِمَ. ولكن في "سنن أبي داود"(١) صريحًا أنه من كلام عائشة، أي فمثلُه لا يُعرف إلا سماعًا. هـ.
قلت: الحديث لفظه: "السنة على المعتكف أن لا يعودَ مريضًا، ولا يشهدَ جنازةً، ولا يمسَّ المرأةَ ولا يُباشرها، ولا يخرجَ لحاجةٍ إلا لما لابدَّ منه، ولا اعتكافَ إلا بصومٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجد جامع". فإن أراد بقوله:"فمثلُه لا يُعرف إلا سماعًا" أنه من قول الصحابي: "السنة كذا"، ففيه نظر؛ إذ يحتمل بل يظهر أن قولها:"ولا اعتكافَ إلا بصومٍ ... إلخ" ليس مسندًا إلى السنة، وإنما بينَتْ فيه برأيها، ومثل ذلك لا يمتنع قولُه من قبل الرأي. فليتأملْ.
وقد يُحمَل قوله:"ويؤمَر" على الندب، كما يُحمل "لا اعتكاف إلا بصوم" على نفي الكمال، جمعًا بين الأدلة وإلحاقًا للضعيف بالقوي.
وأمَّا ما استدل به مُثبِت الشرطية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف إلا صائمًا، فيقال له: قد تقرر في الأصول أن فعله - صلى الله عليه وسلم - غير الجبلِّي يخصُّه للندب مجردُ قصد القربة، وذلك بأن تدل قرينةٌ على قصدها بذلك الفعل، مجرَّدًا عن قيد الوجوب، والقرينة ههنا ما تراه من الأدلة، فالمواظبة دليل الاستحباب. على أنك سترى في الأدلة ما يستلزم أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف بلا صوم، وهو حديث