وأشدُّ ما يقع الزّحام في الموسم: في المطاف، وتنشأ عن ذلك مضارُّ تلحقُ الأقوياءَ، فضلاً عن الضعفاء والنساء، ويقع الخلل في هذه العبادة الشريفة ــ وهي الطواف ــ؛ لزوال ما يُطلَب فيه من الخشوع والخضوع والتذلُّل، وصدق التوجّه إلى الله عزّ وجل؛ إذ يهتمُّ كلُّ من وقع في الزّحام بنفسه.
وقد يكون مع الرجل القويّ ــ أو الرجلين ــ ضعيفٌ أو امرأة أو أكثر فيحاول القويّ أن يدفع الزّحام عن نفسه وعمّن معه، فيدفع من بجنبه وأمامه ليشقّ له ولمن معه طريقًا على أيّ حالٍ، فيؤذي بعضهم بعضًا، وربّما وقع النزاع والخصام والضرب والشتم، ويقع زحام الرّجال للنساء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"(١)، وقد رأينا من النّاس من يُسِيء بغيره الظنّ، وربّما أدّى ذلك إلى الإيذاء بالدّفع والشّتم، وربّما بالضرب.
ومن المعلوم أنّ صحة الطواف لا تتوقّف على أدائه في المطاف، وإنّما شرطه أن يكون في المسجد، لكن جرى العمل على أن يكون في المطاف، ولو مع الزّحام؛ لأسباب:
منها: أنّ خارج المطاف غير مهيّأ للطواف فيه بغير حرج.
ومنها: أنّ غير الطائفين يقفون ويجلسون ويسلُكون وراءَ المطاف وعند زمزم، فيشقُّ على الطائفين تخلُّل تلك الجموع.
ومنها: أنّ من أهل العلم من يشترط لصحّة الطواف في المسجد أن لا
(١) أخرجه البخاري (٢٠٣٨، ٢٠٣٩) ومسلم (٢١٧٥) من حديث صفية بنت حُيي.