للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصره، وروى عن ابن عباس حديثَ الفضل وغيره.

ثم جاء فقيه عصره الإمام الشافعي، وهو مكي أخذ عن مسلم بن خالد وغيره، قال في "الأم" (ج ٢ ص ١٧٩) (١): "والمزدلفة من حين يُفضِي من مأزِمَيْ عرفة ــ وليس المأزمان من مزدلفة ــ إلى أن يأتي قرنَ مُحسِّر". وقال (ص ١٨٢) (٢): "ومِنًى ما بين العقبة ــ وليست العقبة من منى ــ إلى بطن محسِّر، وليس بطنُ مُحسِّر من منى".

وهذا القول أعني أن محسِّرًا ليس من المزدلفة ولا من منى، هو المعروف في كتب الفقه والمناسك في المذاهب الأربعة. وقال ابن حزم في "المحلَّى" (ج ٧ ص ١٨٨): المسألة ٨٥٣: "وعرفة كلها موقف إلا بطنَ عُرَنة، ومزدلفة كلها موقف إلا بطنَ مُحسِّر، لأن عرفة من الحلّ، وبطن عُرَنة من الحرم فهو غير عرفة، وأما مزدلفة فهي المشعر الحرام وهي من الحرم، وبطن محسِّر من الحلّ فهو غير مزدلفة".

ولا ريب أن منى عنده من الحرم، فهي غير محسِّر الذي هو عنده من الحلّ. وقد أغربَ في زعمه أن بطن عُرَنة من الحرم، وأغربُ من ذلك زعمُه أن محسِّرًا من الحلّ. احتجّ ابن حزم باختلاف المكانين في أن هذا من الحلّ وهذا من الحرم على تغايرهما واختلاف حكمهما، وإنها لحجةٌ لو صحَّ ذاك الاختلاف.


(١) (٣/ ٥٤٩) ط. دار الوفاء.
(٢) (٣/ ٥٦١).