للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان مراده بقوله: "وإن طلَّقها ثلاثًا" أي متفرقةً، بأن يطلق ثم يراجع، ثم يطلق ثم يراجع، ثم يطلق، فله شاهدٌ، وهو ما رواه مالك في "الموطأ" (١) عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "كان الرجل إذا طلَّق امرأته، ثم ارتجعَها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له، وإن طلَّقها ألفَ مرة، فعَمَدَ رجلٌ إلى امرأته فطلَّقها، حتى إذا شارفَتْ انقضاءَ عدتها راجعها، ثم طلَّقها، ثم قال: لا والله لا أُوْوِيكِ (٢) إليَّ، ولا تَحِلِّين أبدًا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فاستقبل الناس الطلاقَ جديدًا من يومئذٍ، من كان طلَّق منهم أو لم يطلِّق".

وذكر أيضًا (٣) عن ثور بن زيد الدِّيلي: "أن الرجلَ كان يطلق امرأته، ثم يراجعها، ولا حاجةَ له بها، ولا يريدُ إمساكها، كيما تطول بذلك عليها العدة لِيُضارَّها، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} يَعِظُهم الله بذلك". (الموطأ هامش المنتقى ج ٥/ص ١٧٥).

وذكره الشافعي عقبَ ما حكيناه عنه سابقًا، فقال (٤): "فإن قيل: فهل من دليلٍ تقوم به الحجة في ترك أن تُحسَب الثلاث واحدةً في كتاب أو سنة، أو أمرٍ أبين مما ذكرت؟

قيل: نعم، أخبرنا مالك ... ".


(١) (٢/ ٥٨٨).
(٢) في "الموطأ": "لا آويك".
(٣) "الموطأ" (٢/ ٥٨٨).
(٤) "الأم" (١٠/ ٢٥٨).