بيتها الذي أمر أن يُسكِنها فيه هو بيته أو قريب منه، وذلك أدعى إلى الصلح، فقد تهيج به الذكرى وهو على فراشه في أثناء العدة، فلا يكون بينه وبينها إلا كشف الستر أو طَرْق الباب، ولعله لو صبر إلى الصبح لفترت رغبته، فلا يراجع، ولعله يبدو له خطؤه في إيقاع الطلاق، ومضرته عليه، ويلومه هذا، وتعذله هذه، ومع ذلك فقد جرَّب الفرقة وجرَّبتها، وذاق كل منهما مرارتها، فإذا وقعت الرجعة، فقد ذاقت هي من الفرقة ما يجعلها تخاف من وقوعها مرةً أخرى، فيدعوها هذا الخوف إلى حسن الطاعة والحرص على رضاه، وتحري ما يوافق هواه، وذاق هو ما يحمله على التأني والتريث في المستقبل، فلا يستعجل بإيقاع الطلاق، مع علم كل منهما بأنهما قد صارا على ثلث الطريق من الفرقة الباتة.
[ص ١٤] فإن لم تعطفه العواطف حتى انقضت العدة، فالظاهر أن النفرة قد استحكمت، ومع ذلك بقي له أن يراجعها، ولكن برضاها، ومهر آخر، وعقد جديد.
فإذا راجع من المرة الأولى، ثم طلَّق مرة أخرى بالشروط السابقة، وشرعت في العدة على الصفة الأولى، كان ذلك أدعى إذا وقعت رجعة أن لا تعصيه بعدُ ولا يطلقها، لعلمهما أنهما على ثلثي الطريق، وأنه إن طلَّقها المرة الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، فتخاف هي أن لا يرغب فيها أحدٌ، وإن رغب فيها فلعله يسيء عشرتها، ويظلمها ويمسكها على البؤس والشقاء، ويخاف هو إن طلَّقها أن تتبعها نفسه كما تبعتْها المرتين الأوليين، فلا يجد إلى ذلك سبيلًا، إذ لعلها لا تتزوج بعده، وإن تزوجت فلعل الزوج الجديد يكون أسعد بها، وأحرص عليها، وإن فارقها هذا الزوج