للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فرق بينهما الفرقة الباتة، وظن أن سبب التفرقة تلك هو الطلاق، وإن صارت السنة بعد ذلك الفرقة المؤبدة، ولو بلا لفظ طلاق.

وفي الصحيحين (١) بعد ذكر الطلاق، قال ابن شهاب ــ وهو الزهري ــ: "فكانت سنة المتلاعنين"، وفي رواية (٢): "وكان ذلك تفريقًا بين كل متلاعنين".

على أن قوله: "فطلقها ثلاثًا" محتملٌ احتمالًا قريبًا أن يكون معناه: كرَّر الطلاقَ ثلاثًا، فيكون طلَّق تطليقة، ولكن أكّد تأكيدًا لفظيًا.

ويؤيد هذا اقتصار ابن شهاب تارةً على "طلَّقها"، وتارةً على "فارقها".

وعلى هذا، فرواية ابن إسحاق إنما كانت تفيد طلقة واحدة، إلا أنه أكّد اللفظ، فأعاده ثلاثًا، كما فهمه ابن حجر، فهي مفسِّرة للروايات الأخرى، لا مخالفة.

[ص ١٨] وفوق هذا كله، فلو ثبت أن عويمرًا قال: " طلقتها ثلاثًا" أو نحو هذا اللفظ، وأقره عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن ذلك لا يدل على إمكان وقوع الثلاث معًا، لاحتمال أن يكون لم يقصد إيقاع الثلاث، وإنما قصد إظهار أنه لا يريد أن يراجعها، فكأنه يقول: لو استطعتُ أن أوقع الثلاث معًا لأوقعتُها، كما يُعقَل أن يقول رجلٌ لزوجته: إن شئتِ فطلِّقي نفسك طلقة واحدة، فتقول: طلقتُ نفسي ثلاثًا، وهي تعلم أنه ليس لها إلا واحدة، وإنما قالت ذلك


(١) البخاري (٥٣٠٨) ومسلم (١٤٩٢).
(٢) البخاري (٥٣٠٩) ومسلم (١٤٩٢/ ٣).