الرجل، وذكر بعده الرجعة، فعلم أنه لا يكون ثلاثًا، وكذلك لا يكون اثنتين لما ذكرنا من عدم دلالة الصيغة على التكرار، ولأنا لا نعلم قائلًا يقول: يجوز جمع طلقتين، لا ثلاث.
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، فليس فيها دلالة على الجمع، وهي مع ذلك مسوقة لبيان عدم وجوب العدة، لا لسنة الطلاق.
وفوق ذلك، فالله عز وجل إنما أباح الطلاق ليتخلص كل منهما من الآخر، والتخلص في غير المدخول بها يحصل بواحدة، فجمع طلقتين أو ثلاث من اتخاذ آيات الله هزوًا، ومن تضييق الرجل على نفسه أن لا تحل له بعقد جديد إذا جمع ثلاثًا، أو تحل له على طلقة واحدة، وهذا إضرار بنفسه وبالمرأة أيضًا، لا تقابله منفعة ما، فأنى يجوز؟
وإنما أجزنا في المدخول بها أن يتبعها طلقة ثانية عن الطهر الثاني، وثالثة عن الثالث، لأنه قد يحتاج إلى إبانتها لئلا يموت قبل انقضاء العدة فترثه إذا كانت رجعية، ولا ترث إذا كانت مبتوتة عند بعض أهل العلم، ولإسقاط نفقتها أو سكناها أو كليهما عند من يقول من أهل العلم: إن المبتوتة لا نفقة لها، أو لا نفقة ولا سكنى، ولتعجل نكاح أختها مثلًا، أو رابعة عند من يقول بحل ذلك في العدة إذا كانت مبتوتة.
وأما الآية الثالثة وهي قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء: ٢٠]، فلا دلالة فيها على الجمع، وإنما سِيقَت للأمر بالوفاء بالصداق.