للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ففارقها"، "فطلقها ثلاثًا" ليس من سهل بن سعد، وإنما هو من الزهري، ومن الجائز أن يعني الزهري بقوله: "فطلقها ثلاثًا" أنه كرر الطلاق ثلاثًا، وهذا اللفظ يصدق بما إذا كان التكرار صالحًا للتوكيد، فتكون هذه الرواية موافقة لرواية ابن إسحاق، ومن الجائز أيضًا أن يكون الزهري سمع الحديث من سهل باللفظ الذي ذكره ابن إسحاق، ولكن كان الزهري يرويه بالمعنى، فقال مرة: "فطقها ثلاثًا" بناءً على ما ظنه من أن هذا اللفظ يثبت به ثلاث طلقات، ثم تردد في ذلك، فكان يقول تارةً: "فطلقها" ويقتصر عليه، وتارةً: "ففارقها" ويقتصر عليه، وذكر ابن إسحاق أصل اللفظ الذي سمعه (١) من سهل، فقد كان لابن إسحاق اختصاص بالزهري، قال ابن عيينة: "رأيت الزهري قال لمحمد بن إسحاق: أين كنت؟ فقال: هل يصل إليك أحد؟ قال: فدعا حاجبه وقال: "لا تحجبه إذا جاء". (ذكره في تهذيب التهذيب) (٢).

فأما أن يسمع ابن إسحاق "فطلقها ثلاثًا" فيراها مخالفة لرأيه، فيبدلها بلفظ يوافق رأيه، وينسبه إلى صاحب القصة، فهذا بغاية البعد، وليس هذا من الرواية بالمعنى، بل من التحريف والتبديل، وحاشا ابن إسحاق من ذلك (٣).

[ص ٨] قالوا: وعلى فرض أنه ثبت ثبوتًا لا ريب فيه أن عويمرًا طلَّق ملاعنته ثلاث طلقات بحضرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم ينكر عليه، ودل ذلك على الجواز، فليس في هذا ما يدل على إباحة جمع الطلاق مطلقًا، فليجز مثل


(١) أي الزهري.
(٢) (٩/ ٤٠).
(٣) ثم الكلام يتصل بعد خمس ورقات في الأصل.