للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]، مع ما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزولها أنذرَ قريشًا أجمعَ (١). وهذا يحتمل التأويل، قال الحافظ في "الفتح" (٢): يحتمل أن يكون أولًا خَصَّ اتباعًا لظاهر القرآن، ثم عمَّ لما عنده من الدليل على التعميم، لكونه أُرسِل إلى الناس كافَّةً.

أقول: وعلى هذا فالوصف في الآية كاشفٌ فقط، بل ليس بوصفٍ، وإنما هو بدلالة الأقربين قد تجرَّد عن الوصفية، وغلب في استعمالِه استقلالُه. ويؤيد هذا أنه لو كان وصفًا لطابق لفظ "العشيرة"، بأن يقال: "القُربَى" مثلًا.

ومما يؤيِّد أن العشيرة اسم لأقلِّ العقود في النسب قولُه تعالى في التوبة: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ... } الآية [٢٤]، وقوله عزَّ وجلَّ في سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} الآية [٢٢].

ويؤيده أيضًا أن اشتقاقه من العَشرة، وهي أول عَقدٍ في العدد. هكذا ينبغي توجيه الاشتقاق، فالعشيرة أولُ عقدٍ في النسب، وكذلك الأقربون.

وقد أوضح الإمام الشافعي معنى هذا في "الأم" في باب الوصية للقرابة (ج ٤ ص ٣٨) (٣)، فمثَّل بنسبِ نفسه، فذكر أولًا بني عبد مناف، ثم


(١) أخرجه البخاري (٢٧٥٣، ٣٥٢٧، ٤٧٧١) ومسلم (٢٠٤، ٢٠٦) عن أبي هريرة.
(٢) (٥/ ٣٨٢، ٣٨٣). وفيه: "اتباعًا بظاهر القرابة" وهو تصحيف.
(٣) (٥/ ٢٣٩) ط. دار الوفاء.