كون الميت أقرب إلى الشخص ممن ترك بعده، وبعد التخصيص أن لا يكون بينهما واسطة الشخص ممن ترك بعده، وبعد التخصيص أن لا يكون بينهما واسطة حية، وتلخيص الثاني كون الميت أقربَ إلى الشخص منه إلى غيره. وبَنى على الأول توريثَ ابنِ الابن مع ابنٍ آخر، وعلى الثاني حَجْبَ الإخوة لأمٍّ بالأشقّاء والإخوة لأب، وحَجْبَ الإخوة لأبٍ بالأشقّاء.
وأنتَ إذا تأملتَ وجدتَ صنيعَه متناقضًا، فإن الميت وإن كان أقربَ إلى ابنِ ابنِه من سائر الناس، فإنه ــ أعني الميت ــ أقربُ إلى ابنه منه إلى ابن ابنه. والميت وإن كان أقرب إلى شقيقه منه إلى أخيه لأبيه، فهو أقرب إلى أخيه لأبيه من سائر الناس.
الحاصل أن الميت وإن كان أقربَ إلى ابنِ ابنهِ بالمعنى الأول، فليس بأقربَ إليه بالمعنى الثاني، وهو وإن لم يكن أقربَ إلى أخيه لأبيه بالمعنى الثاني، فهو أقرب إليه بالمعنى الأول. فتوريثُ الجيراجي ابنَ الابن مع ابنٍ آخر ــ مع إسقاطه الأخَ لأمٍّ بالشقيقِ أو الأخ لأبٍ، وإسقاطه الأخَ لأبٍ بالشقيقِ ــ متناقضان، واحتجاجه بالآية في الموضعين تهافُتٌ كما تراه. وعلى كلِّ حال فكلا المعنيين مردود لما قدَّمنا.
واعلم أن الأقربين بالمعنى الثالث لا يدخل فيهم الوالدان ولا الأولاد، بدليل أنك إذا قلتَ: هؤلاء أقاربُ زيدٍ تبادر إلى الذهن أنه ليس له فيهم ولد ولا والد. ووجهُ ذلك ــ والله أعلم ــ شدّةُ قرب الولد والوالد، حتى كأنهما مع الشخص شيء واحد، كما يتحصل مما مثَّل به الصحابة رضي الله عنهم في مسألة الجد والإخوة.