للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجلالته ربما وَضَعوا مِنْ فَضله وغبَّروا في وجه شهرته، مع محبتهم له ومعرفتهم بمنزلته؛ ولكن يظهرون تحقيره لئلا يفتتن به الناس.

ومن ذلك ما ترى في مقدمة صحيح مسلم من الحطِّ الشديد على البخاري في صدد الردِّ عليه في اشتراط ثبوت لقاء الراوي لمن فوقه، حتى لقد يخيل إلى القارئ ما يخيل إليه، مع أن منزلة البخاري في صدر مسلم رفيعة، ومحبته له وإجلاله أمر معلوم في التاريخ وأسماء الرجال.

وقد يكون من هذا كثير من طعن المحدثين في أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

[٨٤] ولعلَّ مما حملهم على هذا علمهم بأن العامَّة وأشباه العامَّة يغترُّون بفضل القائل في نفسه، فإذا قال لهم العلماء: إنه أخطأ مع جلالته وفضله، قالوا: قد خالفتموه وشهدتم له بالجلالة والفضل، فقوله عندنا أرجح من قولكم بشهادتكم. وهكذا قال بعض الناس لعمَّار رضي الله عنه لما قال مقالته المتقدمة آنفًا: «فنحن مع الذي شهدتَ له بالجنة يا عمَّار» , يعنُون أمَّ المؤمنين (١).

وبالجملة؛ فمن علم القاعدة الشرعية في تعارض المفاسد لم يعذل العلماء في انتقاصهم مَنْ يخافون ضلال الناس بسببه، ولو علم محبُّو المطعون فيه هذا المعنى لما وقعوا فيما وقعوا فيه من ثَلْبِ أولئك الأكابر حميَّة وعصبيَّة، والله المستعان.


(١) انظر: تاريخ الأمم والملوك ٤/ ٤٨٥.