للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع هذا يسكت الذهبيُّ عن بيان ذلك، وهكذا يسكت عن علل أخرى تكون في الأحاديث، والله المستعان.

وأما ابن حِبَّان فمِن أصله ــ كما نبَّه عليه في كتابه الثقات ــ أن المجهول إذا روى عن ثقةٍ وروى عنه ثقةٌ، ولم يكن حديثه منكرًا؛ فهو ثقةٌ، يذكره في ثقاته، ويخرج حديثه في صحاحه. ووافقه على هذا شيخه ابن خزيمة، إلا أنه أشدُّ احتياطًا منه، وكذلك الدارقطنيُّ. ويظهر لي أن الكعبيَّ (١) صاحب الثقات كذلك. وهذا قولٌ واهٍ مخالف لما عليه جمهور الأئمَّة والأئمَّةُ المجتهدون وجهابذة الفنِّ، والنظر الصحيح يأباه.

وأما الترمذيُّ فله اصطلاحٌ في التحسين والتصحيح، وهو أن الحديث إذا روي من طريقين ضعيفين يسمِّيه حسنًا، والأئمَّة المجتهدون وغيرهم [٨٩] من الجهابذة لا يعملون بهذا الإطلاق، بل يشترطون أن تحصل من تعدُّد الطرق مع قوة رواتها غلبةُ ظنٍّ للمجتهد بثبوت الحديث، فإن لم تحصل هذه الغلبة فلا أثر لتعدد الطرق وإن كثرت.

والمتأخِّرون يعرفون هذا الشرط، ولكنهم كثيرًا ما يتغافلون عنه. وربما توهَّم أحدهم أنه قد حصلت له غلبة ظنٍّ، وإنما حصلت له من جهة موافقة ذلك الحديث لمذهبه أو لمقصوده، والله المستعان.

بل إن في الصحيحين أو أحدهما أحاديث قد انتقدها الحفاظ، مثل حديث البخاري: حدّثنا محمد بن عثمان, حدثنا خالد بن مَخْلَد, حدثنا سليمان بن بلال, حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر, عن عطاء, عن أبي


(١) كذا في الأصل، ولم يتبيَّن لي مَنْ هو، ولعلَّه يريد العجليّ.