قلت: الأصل والظاهر هو الإحاطة، وإنما يُعدَل عنها لموجب، ولا موجِبَ في {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}، والله أعلم.
إذا تقرر هذا فنقول: إن قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} معناه إحراز جميع ماله، أما على تقدير "وورثَ مالَه أبواه" فلعموم المال، وأما على تقدير "وورثه أبواه كذا" فلأن حذف المعمول آذنَ بالعموم، فصار المعنى: وورثه أبواه جميع مالِه. وأما على القول بأن "ورثتُ زيدًا" يعمُّ جميع أجزائه، فلكون ذلك باعتبار جميع أجزاء ما كان له فظاهر، وفائدة قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} على هذا واضحة، لأن هذا المعنى لا يتحصل بدونها.
الجواب الرابع ــ ولم أر من تعَّرض له أيضًا ــ: أن الإرث إذا أُطلق في القرآن ولم يبيَّن النصيب كان المعنى أن الوارث عصبة، يُحرِز جميعَ المال إذا انفرد، والباقيَ بعد فرضٍ فأكثر إن كان. قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء: ١١]، فلم يُبيِّن مجموع ما لهم لأنهم عصبة، ثمَّ بيَّن نصيب البنات إذا انفردن، لأنهن يكنَّ ذواتِ فرض حينئذٍ. وقد تقدم نحو هذا في قوله تعالى:{وَهُوَ يَرِثُهَا}.
إذا تقرر هذا فنقول في قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ}: إن المعنى وكان أبواه عصبة، وذلك عند عدم الولد والإخوة، فيكون الأبوانِ عصبةً.
وقوله بعد ذلك:{فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} المراد ثلث التركة، ولكن قد دلَّ كونُهما عصبةً على أن هذا إنما يكون إذا لم يكن هناك أحد الزوجين، وأنه إن كان هناك أحد الزوجين فالباقي بينها وبين الأب، على قاعدة العصبة: للذكر