والأحكام التي تعترضها الأهواء والشُّبه أن لا يكشفها كشفًا تامًّا، لكنه يُنبِّه على الحقّ تنبيهًا كافيًا لمن تدبَّر وحقَّق النظر، وأسلم نفسَه للحق، ووفَّقه الله عزَّ وجلَّ، ويدَعُ مناصًا لمن قصَّر أو استكبر، أو اقتضت الحكمة أن لا يُوفَّق. ويُزاد في الأحكام أنه يدع سبيلًا لأن يوضع في فهم القاضي المحقّ خلافُ الراجح لمناسبته للقضية التي يحكم فيها. وهذا مشروح في موضع آخر.
فقوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فيه تنبيه كافٍ على ما ذكر من جهات:
الأولى: أن الجملة الوسطى صارت في حكم الله عزَّ وجلَّ بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} صريحةً في أنها في حال اجتماعهما.
الثانية: أن الحكم فيها عام، فيعمُّ جميعَ صور اجتماعهما، وهي ثلاث صور: أبوان فقط، أبوان وزوج، أبوان وزوجة.
الثالثة: أن المعروف أن الوارث الذي [ينقص غيره] ينقصه على كل حال، فالولد ينقص الأم إلى السدس، سواء وُجِد الأب أم لا، والإخوة كذلك، وإذا كان الأب لا ينقصها مع عدم أحد الزوجين فكيف ينقصها مع أحدهما؟
فإن قيل: كما نقصها مع وجود الإخوة.
قلنا: إنما نقصَها الإخوة. أما إذا قلنا بما يُنقل عن ابن عباس أن السدس الذي تنقصه الأم في هذه الحال يكون للإخوة فظاهر، ولا يرِد على هذا ما ذهب إليه ابن عباس وغيره أن الجدّ يحجب الإخوة، فيقال: فكيف لا يحجبهم الأب؟ لأن له أن يجيب بأنهم مع .... والأم لم يأخذوا من نصيب الأب شيئًا، وإنما أخذوا من نصيب الأم.