مسألةٌ: الرشدُ صلاح الدين والمال، هذا مذهب إمامنا الشافعيّ رحمه الله، وفي وجهٍ حكاه المتولّي.
إذا تقرّر ما نقلناه، وعُرِفَ أحوال الناس اليوم في بيع الجواري اتَّجه الجزمُ بسماع البينة على الحريّة؛ لأنَّ الحقَّ في الحرية لله سبحانه وتعالى، وكم يترتب على الرقيّة من مفاسد خطيرة نعوذ بالله من ذلك.
فأمَّا صحةُ الإقرار فقد تقرّر أن المذهبَ كون الرشد معتبرًا في الدنيا والدين، وإنْ ذهبَ بعضُ المتأخرين إلى الوجه الضعيفِ طلبًا للتسهيل على الناس؛ لأنَّ المشقّةَ تجلب التيسيرَ، على أنَّ المصلحة في مسألتنا مطابقةُ المذهب في اعتبار الدين حفظًا لحقوق الله تعالى من الضياع، وصدًّا لأهل الفجور والأطماع؛ لعموم البلوى بذلك، فإنَّ الناسَ لا يعرفون ما يترتبُ على الرقِّ من المفاسد، فهم يرتكبون الجرأة على بيع الأحرار طمعًا في الدنيا الفانية، فأمَّا المبيع فإمَّا أن يُكرِهوه على الإقرار، وتعتبرُ عليه بينة الإكراه بعدُ، وإمَّا أنْ يُرغِّبوه فيرغب في الرقِّ لما فيه من حملِ المالك مُؤْنتَه، فيستريح من تعب الطلب للمعاش، وقد شاع نَهْبُ الأحرار، وإكراههم على الإقرار، وبيعهم للتجار، وربّما علم ذلك المشتري فيبتاعه طلبًا للربح، أو يمسكه لئلا تذهب دراهمه.
وأمَّا إقرار الجواري فإنّه وإنْ قيل: إنَّ المعتمدَ أنّه لا يُعتبر فيه الرشد، فقد عرفتَ ما فيه ممَّا حكيناه عن المغني والسيد عمر إلحاقًا له بسائر الإقرارات.