فقد أوجب الله طاعة أولي الأمر كما أوجب طاعة الوالدين، ولا ريب أنّه لو لم يجب طاعة أولي الأمر والوالدين (١) إلا فيما كان واجبًا بنصّ الشرع، لما ظهرت لتخصيصهم فائدة، [ص ٢] فإن ما كان واجبًا بنصّ الشرع فإنّه يجب طاعة كل آمرٍ به كائنًا من كان، ولو لم يجب طاعة ولي الأمر إلا فيما كان واجبًا بنص الشرع لاختلَّت المصالح وعمّ الفساد.
فأمّا قول الله تعالى عَقِبَ ما تقدم:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، فذلك كما بيّنه الحديث السابق فيما إذا أمر الأمير بعملٍ لا يراه معصية لله، والمأمور يرى أنّه معصية لله.
فأمّا ما يعترف المأمور أنّه ليس بمعصية لله، ولكنه يقول: لم ينص الشرع على وجوبه عليّ، فيكفي في دفعه أن يقال له: قد نصّ الشرع على وجوب طاعة أولي الأمر، ولم يعارض ذلك شيء.
وأمّا أحاديث التسعير فليس فيها نهي عنه، وإنّما فيها أنّ النّاس طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُسَعِّر فقال:"إنّ الله هو القابض الباسط الرازق المسعِّر، وإنّي لأرجو أن أَلْقَى الله عز وجل ولا يطلبني أحدٌ بمظلمةٍ ظلمتُها إياه في دمٍ ولا مال". فهذه واقعة حالٍ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :"إنّ الله هو القابض الباسط الرازق المسعِّر ... " إنّما هو تعليل للامتناع عن التسعير في تلك الواقعة.
ويحتمل أن يكون غلاء السعر الذي حدث حينئذٍ لم يكن مصطنعًا، فكان التاجر يجلب المال من المواضع البعيدة غالبًا، فيزيد عليه المعروف، [ص ٣] فلم يكن هناك مبرِّرٌ لإجباره بأن يبيع بخسارة أو بدون ربح. وهذا حقٌّ