قراءةٌ، ومن قرأ بأم القرآن أجزأتْ عنه" لعلَّه أراد: أجزأت عن قراءة القرآن، وفتوى الراوي خلاف روايته دليلٌ على نسخ روايته).
أقول: لفظ مسلم: "قال أبو هريرة: في كل صلاةٍ قراءة؛ فما أسْمَعَنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أسمَعْناكم، وما أخفَى منا أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأتْ عنه، ومن زاد فهو أفضل".
وكأنَّ مراد الشارح أنَّ قوله: "في كل صلاة قراءة" يدلُّ على أنَّه يُجزئ ما يحصل به اسم القراءة؛ لأنَّ لفظ "قراءة" مطلقٌ، وأنَّ قوله: "ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأتْ عنه" لا ينافي الإطلاق.
وإنما المعنى: أنه يحصل بها ما يسمَّى "قراءة" كما يحصل بغيرها، وهذا قريب؛ ولكن قوله: "ومن زاد فهو أفضل" يُبطِل هذا الاحتمال، وإنما وِزانُه وِزانُ قولك لخادمك: اشترِ لنا فاكهة العنب وحده يكفي، وإن زدتَ فهو أحسن. فمدلول هذا الكلام: أنَّ العنب لا بد منه على كل حال، ويحسنُ زيادة فاكهة أخرى معه.
وتحريره: أنَّ النكرة قد ترِدُ للإطلاق، وقد تردُ للإبهام. وقولك: "اشترِ لنا فاكهة" مبهم فسَّرته بآخر كلامك؛ فكذا لفظ "قراءة" في كلام أبي هريرة.
ومع ذلك فمذهب أبي هريرة في تعيين الفاتحة مشهور، فإذا ورد عنه فتوى [ص ١٧] بصورة الإطلاق وجب تقييدها بما عُرِفَ من مذهبه.
ثم ذكر الشارح قول ابن حجر: إنَّ أقوى أجوبة الشافعية عن حديث المسيء صلاته حملُه على العاجز عن تعلُّم الفاتحة؛ جمعًا بينه وبين حديث: "لا تُجزِئ صلاةٌ لا يَقرأ الرجل فيها بأمِّ القرآن" (١).
(١) أخرجه ابن خزيمة (٤٩٠) وابن حبان (١٧٨٩، ١٧٩٤) وغيرهما من حديث أبي هريرة.