للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسمعه من ابن أبي عائشة؛ فالطريقان محفوظان".

قلت: وجَزْم ابن حبان بأنَّ أبا قلابة سمعه من أنس ربما يرفع تهمة التدليس، وأما البيهقي (١) فزعم أنَّ المحفوظ رواية أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة. والراجح كلام ابن حبان، ولا يجوز الحكم على الثقة بالغلط إلَاّ بحجة بيِّنة.

ومن ذلك: قال البخاري في "جزء القراءة" (٢): "حدثنا شجاع بن الوليد قال: حدثنا النضر قال: حدثنا عكرمة قال: حدثني عمرو بن سعد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: تقرؤون خلفي؟ قالوا: نعم، إنا لنهذُّ هذًّا، قال: فلا تفعلوا إلَاّ بأم القرآن".

النضر هو ابن محمد بن موسى الجُرَشي: ثقة. وعكرمة هو ابن عمَّار: ثقة إذا حدَّث عن غير يحيى بن أبي كثير، وإنما يخشى تدليسه، وقد صرَّح هنا بالسماع. وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه فيه كلام، والراجح توثيقه، وإن صحَّ ما قالوه: إنَّ حديثه عن أبيه عن جدِّه غالبه من صحيفة جدِّه عبد الله بن عمرو، فإنَّ صحيفة عبد الله بن عمرو كتبها بإذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم بقيت محفوظة عند ذرِّيته؛ فهي حجَّة بلا شبهة.

وقد عدَّ ابن حجر (٣) عَمْرًا وأباه من المدلِّسين؛ لأنهما كانا يرويان من الصحيفة ولا يبيِّنان، ومثل هذا التدليس لا يضرُّ. فالحديث حسنٌ ولا يعلَّل هذا الحديث بالذي بعده؛ إذ لا يجوز تغليط الثقة إلَاّ بحجة بيِّنة.


(١) في "السنن الكبرى" (٢/ ١٦٦).
(٢) (ص ١٧٤ - ١٧٦).
(٣) في "تعريف أهل التقديس" (ص ١٢٣، ١٢٠).