للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا كبَّر في الصلاة سكت هُنَيَّةً قبل أن يقرأ؛ فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة؛ ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي"؛ فذكر الحديث، وهذا لفظ مسلم.

فأطلق على تلك الحال سكوتًا؛ مع العلم بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يتكلَّم فيها ولكن سرًّا.

[ص ٥٢]، وإنما قال في الآية: {وَأَنْصِتُوا} ليدلَّ ــ والله أعلم ــ على أنه ينبغي المبالغة في الإسرار. وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} فأفرد بعد أن كان الكلام على الجمع ليدلَّ ــ والله أعلم ــ على أنه ينبغي المبالغة بالإسرار حتى يُسمِع الإنسان نفسه فحسب. ولو قال: "واذكروا ربكم في أنفسكم" لتوهَّم أنه لا بأ س بأن يرفع صوته قليلًا بحيث يُسمِع أصحابَه.

وإنما جاز لهم بعد هذا أن يكلِّم أحدهم صاحبه إلى جنبه لأنَّ المقصود من كلام بعضهم بعضًا لا يحصل إلَاّ بهذا؛ بخلاف القراءة والذكر والدعاء.

ومما يشهد لهذا المعنى أثر ابن عباس المتقدِّم (١): أنه كان يقول في هذه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} ... إلخ.

وهذا هو السرُّ في ذكره الآية الثانية. فقوله فيه: "وقرأ أصحابه وراءه فخلَّطوا عليه" أراد قرؤوا رافعين أصواتهم؛ فتدبَّر!

ومثله قول محمد بن كعب (٢): "كانوا يتلقَّفون من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ إذا


(١) في "تفسير الطبري" (١٠/ ٦٦٤). وقد سبق ذكره.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (٩٧٨ - تفسير). وسبق ذكره.