للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأحاديث إيجاب الفاتحة [ص ٦٢]؛ فإنَّ منها ما يُعلم أنه متأخر عن هذا التأريخ؛ كما تقدَّم في المسألة الأولى.

وأما حديث أبي موسى فهو متأخر عن هذا التاريخ حتمًا؛ لأنه إنما قدم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أيام خيبر، وقد صرَّح في حديثه بقوله (١): "إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبنا؛ فبيَّن لنا سنَّتنا، وعلَّمنا صلاتنا؛ فقال ... " الحديث.

فإن صحَّت تلك الزيادة فيه فالإنصات عند أهل اللغة قد يطلق على ترك الجهر؛ كما تقدَّم عن الواحدي مع شواهده.

نعم، الظاهر أنَّه بهذا الإطلاق مجاز ولكن قد قدمنا بيان القرينة الدالة عليه في الآية، فلنا: أن نقول بأنه في الحديث ــ إن صحَّ ــ مجاز، جمعًا بينه وبين أدلَّة وجوب الفاتحة. ومثل هذا الجمع أولى من النسخ.

ولنا أن نسلِّم أنه على حقيقته؛ وهي السكوت لأجل الاستماع، ثم نقول: السكوت الذي تضمنه الإنصات عبارة عن ترك الكلام. فقوله: "أنصتوا" في قوة قولنا: "اتركوا الكلام لكي تسمعوا". والكلام في هذا عام، قراءة الفاتحة فردٌ من أفراده، وحديث مكحول عن محمود ونافع عن عبادة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خاص، وقد عضدَه عمومات كثيرة وما قدمناه عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فوجب العمل به.

على أنه لو لم يصحَّ حديث مكحول لوجب أيضًا تخصيص الكلام الذي نُهِي عنه في قوله: {وَأَنْصِتُوا} بتلك العمومات الكثيرة؛ لأنَّ تخصيص عموم دليل أولى من تخصيص عموم دليلين، وتخصيص عموم


(١) "صحيح مسلم" (٤٠٤).