فقوله:"معي" يدلُّ أنَّ المراد: قرأ معي نفس السورة التي قرأتها. ألا ترى أنك لو قلت: قرأت سورة الكهف، وقرأ معي فلان؛ فَهِم السامع أنَّ فلانًا قرأ معك سورة الكهف عينها.
وإنما لم يُسمَّ في حديث ابن أُكيمة السورة كما سمَّاها في حديث عمران لأنَّ قصة حديث ابن أكيمة في صلاة الصبح وهي جهرية؛ فقد سمعوا قراءة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلموا السورة التي قرأها. فاكتفى بقوله:"هل قرأ معي أحد منكم"؛ فعُلِمَ أنه أراد نفس السورة التي قرأها هو - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأجابه الذي قرأها معه بقوله: نعم، أنا يا رسول الله.
وأما في حديث عمران فكانت الصلاة سريَّة؛ فلو اقتصر على قوله:"من قرأ معي" لما علموا أيَّ سورة قرأ، وكلّ واحد منهم قد قرأ بسورة؛ فلهذا سمَّاها لهم، فتدبَّر.
فإن قلت: فمقتضى هذا الكلام أن يُمنع المأموم في السريَّة من قراءة غير الفاتحة مطلقًا؛ لأنه لا يدري لعله يقرأ السورة التي يقرأها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولا يُمنَع في الجهرية إلَّا من قراءة السورة التي يقرؤها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وله أن يقرأ غيرها.
قلت: إنما يأتي هذا إذا قلنا إنَّ المنازعة هي العلَّة، ولسنا نقول ذلك، وإنما العلَّة عندنا هي الإخلال باستماع القراءة لغير موجب. وإنما ذكر - صلى الله عليه وآله وسلم - المنازعة إعلامًا لهم بالدليل الذي استدلَّ به على أنَّ بعضهم قرأ معه.
وفي ذلك معجزة يفيدهم الاطلاعُ عليها، فإنَّ المنازعة لا تحصل لغيره