الجدّ والعمل ماله بالربا، فيسعى كل منهم ويتعنَّى، وينتفع الناس بسعيه.
فقد يربح ما يفي بالربا، ولا يزيد له إلّا شيء تافه، أو لا يزيد له شيء أصلًا، أو يربح ما ليس يفي بالربا، أو لا يربح شيئًا، فيضيع تعبه، ويَخِيب أمله، ويَغْرَم الربا من ماله، وربما ينقص عليه من رأس المال، أو يتلف عليه رأس المال كله، فيغرم رأسَ المال والربا، يبيع حلي أهله أو عقاره أو بيته، فإن لم يكن عنده شيء أُهِين وسُجن. ثم إن أُطلِق بقي كل يوم مروعًا، كلما كدَّ واجتهد فحصل له دريهمات قام الطلب يتقاضاه، ويُهِينه ويتوعده.
وهكذا يبقى المال الذي وصل إلى ذلك السفيه، وفيه ما فيه، يبقى سالمًا له، وهو يربح فيه كل شهر أموالًا يمتصُّها من دماء أهل الكد والعمل، ويترفَّه بها، ويُسرِف فيها بدون أن يكون منه حركة تنفع الناس، بل حركاته تضرهم، وتُفسِد أخلاقهم، وتُخرب بيوتهم.
والغالب أن الذين يتكسبون بالمراباة هم هؤلاء الذين يريدون أن يعيشوا في راحة ورفاهية، يمتصُّون دماء العمال بدون تعب ولا عناء، وتبقى رؤوس أموالهم محفوظة، بل يربحون فيها أرباحًا أوثق من أرباح التجارة.
ثم يوشك أن تعم البلوى، فكل من وقع بيده مال، قال: مالي وللمخاطرة برأس المال مع التعب والعناء بزراعة أو صناعة أو تجارة؟ هذا باب الربا يبقى فيه رأس المال محفوظًا غالبًا، ويحصل فيه ربح محقق، ولا تعب ولا عناء.
فيطبقون على ذلك، فلا يلبث أن تنحصر الأموال في أيدي السفهاء الذين لا شغل لهم إلَّا اللهو واللعب، ويصير أهل الجدّ والعمل عبيدًا لهم.