ومما يوضح هذا أن القرآن أومأ إلى أن المعنى في تحريم الربا أنه ظلم كما تقدم، وبيع دينار من ذهب جيدٍ صرفُه عشرون درهمًا بدينارين من ذهب رديء صرفُ الواحدِ منهما عشرة دراهم، لا يظهر فيه ظلم، وهو حرام نقدًا. وبيع الدينار الجيد بأحد الدينارين الرديئين أقرب إلى أن يكون ظلمًا، وهو حلالٌ نقدًا. فلو كان المعنى في التحريم هو الربا، لكان الظاهر أن يكون الحكم بعكس ما تقدم، فيحل بيع دينار جيد صرفه عشرون درهمًا بدينارين رديئين، صرفُ كلٍّ منهما عشرة دراهم، ويحرم بيع الدينار الجيد بأحدهما وحده.
هذا، والذي ظهر لي أن العلة فيما حُرِّم متفاضلًا نقدًا: هي تشبيه المعاملة المشروعة بالممنوعة، أو الاحتكار.
فالأولى خاصة بما يمكن تصحيح المعاملة بصيغة أخرى، وذلك كبيع درهمين بدرهم مثل أحدهما. فالمقصود المعقول من هذا هو أن يهب صاحب الدرهمين لصاحبه درهمًا، فكان يمكنه أن يهب له درهمًا، فلما عَدلا عن هذه الصورة المحمودة المرغَّب فيها إلى صورة بيع الفضة بالفضة متفاضلًا، استحقَّا التأديبَ بتحريمِ ما اعتمده وإبطالِه.