للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(«صحيح مسلم» [ج ٥ ص] ٤٥).

وحديث أبي سعيد (١): «جاء بلال بتمر بَرْنيّ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أين هذا؟ » فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ذلك: «أُوَّهْ، عينُ الربا ... » («صحيح مسلم» ج ٥ ص ٤٨).

فالجصاص يقول (٢): دلت هذه الأحاديث أن الربا يكون في البيع، ولم تكن العرب تعرف ذلك. وفيها أن بيع واحدٍ من الستة بجنسه متفاضلًا نقدًا ربا، ولم تكن العرب تعرف ذلك. فدلّ هذا أن لفظ الربا قد نقل عن معناه اللغوي إلى معنى شرعي، فيكون في القرآن مجملًا تبيِّنه السنة.

والجواب أنه كما أن هذا ليس من الربا اللغوي فليس من الربا في القرآن، لِما قدَّمنا أن سياق القرآن يدل أن الربا الذي ذكره غير البيع، وأنه إنما يكون في النسيئة وإذا كان الأمر هكذا فلا يمكن أن تكون هذه الأحاديث بيانًا للربا الذي في القرآن، بل الصواب ما نحا إليه الطحاوي وغيره، وحاصله ــ مع إيضاح وتكميل ــ أن ما حرَّمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من البيوع وسماه ربا، منه ما هو في معنى الربا كبيع الشيء بأزيدَ منه من جنسه نسيئةً، إذ لا فرق بينه وبين الربا المذكور في القرآن إلا لفظ البيع؛ ومجرد اختلاف اللفظ لا يغيِّر الحكم، وإلا لفسدت السماوات والأرض. وكذا بيع الذهب بالفضة [نسيئة] على ما ظهر لي.


(١) أخرجه البخاري (٢٣١٢) ومسلم (١٥٩٤).
(٢) في «أحكام القرآن» (١/ ٤٦٤، ٤٦٥) بمعناه. وقد سبق النص فيما مضى.