وأما الوجه الثاني فهو قياس ساقط، والحكم مسلَّم، وهو حرمة الزيادة في الفضة بالفضة يدًا بيدٍ، وإن لم يثبت أثر أبي بكر رضي الله عنه.
وقد قدَّمنا أن الفضة بالفضة يدًا بيدٍ ليس بربًا حقيقي بدلالة القرآن، وبدلالة حديث «الصحيحين»(١): «لا ربا إلَّا في النسيئة» وغير ذلك، وإنما العلة فيه الاحتكار في بعضٍ، وتشبيه المعاملة المشروعة بالمعاملة الممنوعة في بعضٍ، كما تقدم إيضاحه في القسم الأول.
والاحتكار والتشبيه لا ينتفي بالرضا وطيب النفس، كما انتفى الربا في حسن القضاء؛ لأن المعنى في تحريم الربا هو الظلم كما أومأ إليه القرآن، وليس في حسن القضاء ظلم، فإن المستقرض إنما يزيد بطيبٍ من نفسه شكرًا لإحسان المقرض أو تفضُّلًا مؤتنفًا، وليس في ذلك ظلم ولا فيه شيء من مفاسد الربا.
ثم لو فرضنا استقامة القياس فهو ساقط الاعتبار، لمخالفته النصوصَ التي بيناها فيما تقدم، والإجماعَ الذي اعترف به صاحب الاستفتاء نفسه.
[ق ٢٩] والمقصود أن صاحب الاستفتاء مع ذكره لأكثر الآثار عن الصحابة والتابعين، واعترافه باتفاق الفقهاء «من لدن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى يومنا هذا» = لم يستطع أن يعارضها بأثر عن صحابي أو تابعي أو فقيه. والله المستعان.
(١) البخاري (٢١٧٨، ٢١٧٩) ومسلم (١٥٩٦) عن أسامة بن زيد. وقد سبق.