فإن قيل: فإن القرآن نفسه يثبت للملائكة قدرة وتصريفًا في الكون، فالجواب: نعم، ولكنه بيَّن أنهم ليسوا كما يزعم بعض الأمم يتصرفون باختيارهم كتصرف الناس، فقد مرَّ في سياق آية التمانع قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)}. إلى قوله سبحانه: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ١٩ - ٢٧].
وأخرج الحاكم في المستدرك وقال:«صحيح»، وأقره الذهبي, عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: يا رسول الله أيُّ البقاع خير؟ قال:«لا أدري»، قال: أيُّ البقاع شرٌّ؟ قال:«لا أدري»، فأتاه جبريل فقال: سل ربك، فقال: ما نسأله عن شيء. فانتفض جبريل انتفاضةً كاد أن يُصعَق منها محمدٌ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فلما صعد جبريل قال الله تعالى: سألك محمد أيُّ البقاع خير وشرٌّ؟ فقال: نعم، قال: فحدِّثه أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق (١).
(١) المستدرك، كتاب البيوع، «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل»، ٢/ ٧ - ٨، ورواه البيهقي في السنن مطوَّلًا. سنن البيهقيّ، كتاب النكاح، بابٌ كان لا ينطق عن الهوى ... ، ٧/ ٥٠ - ٥١. [المؤلف]. وصححه ابن حبان (١٥٩٩) , وقال الذهبي في العلو ص ٩٩ ح ٢٣٨: حديث غريب صالح الإسناد, وقال البوصيري في إتحاف الخيرة ٢/ ٢٨ ح ٩٦٩: في الحكم بصحته نظر ... ». وروي من وجوه أخرى.