ولو كان العدل بينهن ممتنعًا قليلُه وكثيره لما كان لتلك الأوامر فائدة.
الدليل الثالث: قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} فإن قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} يدل أن النشوز والإعراض محتملٌ فقط، لأنه فُرِض الخوف منه فرضًا. و «امرأة» في الآية عام، لأنها نكرة في سياق الشرط، يتناول من كان لها ضرة ومَن لا ضرة لها. وتعقيب هذه الآية بقوله:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا} الآية يدل على تناول «امرأة» لمن كان لها ضرة أو ضرائر، ويدل على ذلك سبب النزول، فقد جاء أنه قصة أم المؤمنين سودة (١). ولو كان العدل ممتنعًا البتة لكان النشوز والإعراض متحققًا، وقد عُلِم من أول الآية أنه محتمل فقط.
فإن قيل: فقد اعترفت أن العدل الكامل ممتنع، وحينئذٍ فلابد أن يقع نشوزٌ ما أو إعراضٌ ما، فكيف يكون هذا محتملًا فقط؟
قلت: قد يكون النشوز والإعراض خفيًّا بحيث لا يظهر للمرأة، وعليه فيمكن أن لا تخاف نشوزًا ولا إعراضًا.
الدليل الرابع: قوله في الآية السابقة: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا}، والعدل فيها عام كما تقدم، وقد فُرِض امتناع الخوف من عدمه فرضَ المحتمل البعيد، وذلك ينفي أن يكون متحققًا حتمًا.
فهذه أربعة أدلة تُقابل الأربع الزوجات، وثَمَّ أدلة أخرى لا حاجة إلى ذكرها.
(١) أخرجه أبو داود (٢١٣٥) والحاكم في «المستدرك» (٢/ ١٨٦) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٧٤، ٧٥) من حديث عائشة.