وفي فصلٍ آخر تكلم على ما نُقل عن بعض الأئمة أن خبر الثقة يفيد العلم مطلقًا، فذكر أنهم أرادوا بذلك الردّ على الجهمية وبعض الغلاة في الرأي الذين كانوا يطعنون في الأحاديث الواردة في الصفات بأنها أخبار آحاد لا تفيد إلّا الظن، ويردُّون الأحاديث بدعوى أنها مخالفةٌ لظاهر القرآن أو القياس. فقال الإمام أحمد وغيره: إن خبر الثقة يفيد العلم، قصدوا بذلك أن الأخذ به واجب لحجج تفيد العلم اليقيني، ومنها إجماع سلف الأمة على الأخذ بخبر الثقة.
ثم جعل المؤلف عنوان "أخبار الآحاد"، وذكر أنها القسم الثالث من الأخبار عند الأصوليين، وهو ما لا يُقطع بكذبه ولا بصدقه.
وقبل الكلام عليها عقد فصلًا لبيان سبب ضلال أمم الشرك السابقة، فقد كانوا يعلمون وجود الله وعظمته وجلاله، ثم أخذوا يثبتون له ما يرونه كمالًا، فلم يرجعوا إلى هدي الأنبياء والتمسك بسننهم وآثارهم، بل اغتروا بعقولهم واستغنوا بأفكارهم، فضلُّوا وهلكوا. وهذا ما حدث في هذه الأمة، فقد ضلّت الخوارج وغيرها بسبب جهلهم بالهدي النبوي واستغنائهم عن الاهتداء بالعارفين به من الصحابة.
ثم بدأ الكلام على وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه قد وقع الإجماع على ذلك، وما نقله بعض الأصوليين عن الظاهرية من أنه لا يجب العمل به مطلقًا= خلاف المعروف عن أئمة الظاهرية كداود وابن حزم. نعم حكي عن المعتزلة كالأصمّ وتلميذه إبراهيم بن إسماعيل بن علية أنه لا يُقبل خبر الواحد في السنن والديانات، ويُقبل في سائر الأحكام. وحكي عن هشام والنَّظَّام أنه لا يُقبل إلا بعد قرينة تنضمُّ إليه، وهو علم الضرورة.