ثم ذكر شبه المخالفين، وهي: أن العقل لا يجوِّز أن يتعبد الله عباده بخبر الواحد، وأنه لا يفيد إلّا الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا، وأن عامة الأخبار المروية بطرق الآحاد غير مستجمعة لشروط القبول. وقد فنَّد المؤلف جميع هذه الشبه، وردَّ على كتّاب الإفرنج وأتباعهم، وبعض الفرق الغالية كالخوارج والروافض، وأفراد من المعتزلة والجهمية وبعض الغلاة من أهل الرأي الذين خالفوا أهل الحديث في نقدهم للأحاديث والآثار، وبيَّن منهج المحدثين في التمييز بين الصحيح والضعيف، والشروط المتفق عليها لقبول خبر الواحد. وأكَّد في آخره على ضرورة الابتعاد عن الهوى في الحكم على الحديث، والالتزام بتطبيق الأصول والقواعد عند نقده.
والفصل الثاني فيما يفيده خبر الواحد، ذكر فيه أن خبر الواحد المستجمع للشروط وإن كان وجوب العمل به ثابتًا قطعًا، فدلالة اجتماع الشرائط على نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ظنية. ونظير ذلك أذان المؤذن وفتوى العالم وشهادة العدلين، فوجوب العمل بها ثابت قطعًا، وإن كان يمكن في كل واحدٍ من هؤلاء أن يخطئ ويغلط. ثم تكلم على ما نُقِل عن بعض الأئمة من أنه يفيد العلم، وذكر تشنيع بعض الناس عليهم بسبب هذا القول، ثم ردّ عليهم وبيَّن المقصود من كلام الأئمة وأنهم أرادوا واحدًا من المعاني الآتية:
الأول: أنه يفيد العلم للزوم الحكم الذي تضمَّنه لمن ثبت عنده.
الثاني: أنه يفيد العلم بمعنى أن احتمال خلافه احتمالٌ غيرُ ناشئٍ عن دليل.
الثالث: أنه يفيد العلم اليقيني في بعض الصور، كالمتلقَّى بالقبول والمحتفَّة به قرائن.