وقد ذكر المؤلف في المقدمة سبب التأليف، فإنه لما نظر فيما وقع من الاختلاف في العقائد والأحكام، ورأى كثرة التأويل للنصوص الشرعية، تبيَّن له في كثير من ذلك أنه تكذيب لله ورسله، ثم رأى في كلام بعض الغلاة التصريح بنسبة الكذب إلى الله والرسل، والتلبيس على أكثر المسلمين بذلك، فجرَّه البحث إلى تحقيق معنى الكذب وبيان أحكامه، فألَّف هذه الرسالة.
بدأها بذكر معنى "الخَبَر" لغةً واصطلاحًا، والفرق بينه وبين "الخُبْر". وأن الخَبر ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. ثم حقَّق معنى "الصدق والكذب" وبيَّن الخلاف فيه بين جمهور أهل السنة والمعتزلة، ثم ذكر أن أهل البيان عند كلامهم في تعريف الصدق والكذب لم يتعرضوا للفرق بين الخبر الذي لا يحتمل إلا معنًى واحدًا، والخبر المحتمل لمعنيين فأكثر. ووجه ذلك أن المحتمل للمعنيين إن كان احتماله لهما على السواء بدون رجحان فذلك راجع إلى معنى واحد، وإن كان ظاهرًا راجحًا في أحد المعنيين فالمعنى الذي يجب أن يُحكم به هو الظاهر الراجح. ثم قد يُضمِر المخبر في نفسه المعنى الراجح وقد يُضمِر المرجوح، ولذا فلابد للحكم عليه بالصدق أو الكذب من معرفة "إرادة المخبر وإضماره". وقد فصَّل المؤلف الكلام في هذا الموضوع، وأورد نصوص علماء الأصول والبلاغة وناقشهم. ثم تكلم على "القرينة" وذكر إجماع أهل العلم على أنه لابدّ للمجاز من قرينة، وإذا لم تكن هناك قرينة فالكلام على حقيقته، وإن كان معناه الحقيقي مخالفًا للواقع فأهل السنة والجمهور يسمونه كذبًا، وغيرهم يشترط في تسميته كذبًا أن لا يكون المتكلم يعتقد أنه مطابق للواقع.