من السنن، بأن يقول من يأتي بعدُ: لا أقبل من السنة إلا ما في كتاب عمر، ولو كانت هذه السنة صحيحة لما ترك عمر كتابتها، وأشباه ذلك.
فأما عدم أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكتابتها فلأمور:
منها: خشية التباسها بالقرآن.
ومنها: أنه لا يتيسر الاستيعاب، لأن جميع حركاته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسكناته من السنة. ولو كُتِب مع [عدم] الاستيعاب كان ذلك ذريعة إلى ردِّ ما لم يكتب، كما مرّ.
ومنها: كراهية أن يتقاعد الناس عن طلب السنة وتلقِّيها من أهلها، فيكتفي كل واحد بكتاب ينسخ له فيضعه في بيته، وهو جاهل لأكثر ما فيه.
وفي ترك الكتابة مصلحة عظيمة، بأن يحتاج المسلم إلى الطلب والسماع والحفظ، وبذلك لا ينال العلم إلا مَن هو مِن أهله. ولهذا لما أطبق الناس على الكتابة اشترط العلماء للرواية أن يكون الرجل قد سمع، واشترط بعضهم الحفظ، ومن لم يشترطه فقد نوَّه بفضل الحفظ وعلو درجته.
ووراء هذا كله ما تقدم من حكمة الخلق والتكليف، فتدبر. وحِكَم أخرى يطول بيانها، وقد شرحتُ بعضها في موضع آخر.
الشبهة الرابعة: ما جاء عن ابن عباس: "لما اشتدَّ بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجعه قال: ائتوني بكتابٍ أكتبْ لكم كتابًا لا تضلّوا بعده. قال عمر: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسْبُنا، فاختلفوا وكثر اللغطُ، قال: قوموا عني ... "(١).