للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه مصلحة من أعظم المصالح، وهو إحياء علوم الكتاب والسنة، وإشعار الناس بأنهم إنما يتبعون الكتاب والسنة.

وأي فرق أعظم من الفرق بين من يقوم يصلي فيعمل بقول فلان وقول فلان، ومن يقوم يصلي فيعمل بتلك الآية وذلك الحديث؟ فهذا الثاني شاعرٌ تمامَ الشعور بأنه يعبد الله عز وجل بامتثال أمره في كل حركة وسكون، والأول بعيد عن ذلك.

وأما الاجتهاد فيما لم يُنقل فيه شيء صريح عن علماء القرون الثلاثة، فلا يمكن سدُّه إلا بأن يوكل إلى المقلدين يجتهدون فيه بالقياس على أقوال شيوخهم وشيوخ شيوخهم، ولعله يكون قياسًا على قياس على قياس! أفليس الأولى من ذلك استنباط حكمه من نصوص الشريعة نفسها؟

هذا، وقد أغفل كثير من فقهاء الشافعية وغيرهم درجة "المرجِّح"، أعني الذي يبلغ من العلم مبلغًا يتمكن به من النظر في أدلة المختلفين، وتعرُّف الراجح منها.

وقد رأيت عن الشافعي رحمه الله تعالى ما يثبت هذه الدرجة. ففي ترجمة إسحاق بن الفرات من "تهذيب التهذيب" (١/ ٢٤٧): "وقال ابن قديد: حدثني ابن عبد الحكم (١) قال: قال لي الشافعي: أشرت على بعض الولاة أن يولي إسحاق بن الفرات القضاء، وقلت: إنه يتخير، وهو عالم باختلاف من مضى".


(١) في "الولاة والقضاة" للكندي (ص ٧٨) و"إكمال تهذيب الكمال" (٢/ ١٠٨): "ابن قديد عن يحيى بن عثمان عن ابن عبد الحكم ... ". وهو الصواب.